نريد من الوزارة الجديدة

هوامش حرة

نريد من الوزارة الجديدة

يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـــدة


 
بكل المقاييس وعلي كل المستويات نحن علي أبواب مرحلة جديدة‏..‏ نحن أمام فترة رئاسية جديدة للرئيس حسني مبارك‏..‏ وأمام مجلس تشريعي جديد‏..‏ وأمام وزارة جديدة‏..‏ ولا شك أن ذلك كله يحمل لنا أحلاما جديدة ومن خلال التجربة القصيرة الماضية التي عشناها سواء في الانتخابات الرئاسية أوانتخابات مجلس الشعب لابد أن تكون هناك دروس مستفادة‏..‏ أن الانتخابات عادة تمثل مواجهة تتسم بالمصارحة الشديدة بين السلطة والشعب وفيها تدرك السلطة مدي تجاوب الشارع معها‏..‏ ويكتشف الشعب مدي إحساس السلطة بمسئوليتها الحقيقية‏..‏ وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة وصلت حقائق كثيرة للدولة كان من الضروري أن تعرفها‏..‏ وأتضحت أمور كثيرة للشعب كان من الضروري أن يدرك حقيقتها‏..‏ والخلاصة أن الشهور الأخيرة وضعت حقائق جديدة في المجتمع المصري علي الحكومة أن تدركها وعلي الشعب أن يؤكدها في المرحلة القادمة‏.‏

لقد عاد د‏.‏ أحمد نظيف علي رأس السلطة التنفيذية رئيسا للوزراء‏..‏ وعاد معه مجموعة من الوزراء السابقين في حكومات سابقة‏..‏ ولم تخل الوزارة من بعض المفاجآت وإن حملت معها عددا لابأس به من الوزراء الجدد الذين نسأل الله أن يوفقهم لأداء رسالتهم‏..‏

 
وفي تقديري أن أمام الوزارة الجديدة مجموعة من القضايا الأساسية ينبغي أن تضعها من البداية في جدول أعمالها‏:‏

أولا‏:‏ أن الأنتخابات البرلمانية انتهت وفاز من فاز وخسر من خسر ورغم أن هذه الوزارة تنتمي إلي الحزب الوطني حزب الأغلبية إلا أنها وزارة لكل مصر من انتخب الحزب الوطني أو من خرج عليه‏.‏ ولهذا ينبغي أن يغلق مجلس الوزراء صفحة الانتخابات وما تركته من آثار سلبية فلا تعامل الحكومة من خرجوا علي حزبها بصورة لاتليق‏..‏

أن في مجلس الشعب نواب لكل الشعب سواء كانوا ممثلين لحزب الأغلبية أو الاخوان المسلمين أو الأحزاب الأخري أو المستقلين ويجب أن يكون هؤلاء جميعا علي قدم المساواة وإلا تعاقب حكومة الحزب تلك الدوائر التي جاءت بالإخوان المسلمين إلي المجلس أو تهمل طلباتهم ومشاكلهم أو تتعامل مع أعضاء المجلس من ممثلي أحزاب المعارضة باسلوب يختلف عن تعاملها مع ممثلي حزب الأغلبية‏..‏ الحكومة الآن تمثل كل المصريين ويجب أن تعمل في هذا الإطار ومن خلال هذا الفكر‏.‏

ثانيا‏:‏ لقد أدركت حكومة الحزب الوطني في الانتخابات مجموعة أخطاء أساسية كانت سببا في خسارة الحزب للكثير من تعاطف الشعب المصري في دوائر أنتخابية كثيرة‏..‏ حدث هذا في مناطق واضحة في الريف المصري وهنا يجب أن تنظر الحكومة نظرة خاصة لأحوال الفلاحين وما يحدث في مجالات الزراعة والأسمدة والكيماويات والمبيدات الزراعية وديون الفلاحين وخطايا بنك التسليف الزراعي ورفع الأسعار وعدم سداد مستحقات الفلاحين خاصة المحاصيل الزراعية‏..‏

لقد خسرت حكومة الحزب أيضا تعاطف قطاعات كثيرة من العمال وهنا ينبغي أن تنظر نظرة فاحصة لأحوالهم في التجمعات العماليه في حلوان والمحلة وكفر الدوار ومناطق كثيرة في الصعيد‏..‏ من حق الحكومة أن تضع برامج للخصخصة وبيع القطاع العام ولكن في ظل دراسة جادة تحافظ أولا علي أموال الشعب وتحافظ ثانيا علي حقوق العمال‏..‏ وتضمن ثالثا ألا يكون بيع المشروعات طريقا خاطئا لزيادة أزمة البطالة‏.‏ يجب أن تسمع الحكومة لأصوات العمال في مصانعهم ولا تكتفي أبدا بالخطب النارية أو الشعارات الرنانة‏.‏

 
أن للفلاحين والعمال مشاكل كثيرة يجب أن ينزل إليها السادة الوزراء ليشاهدوا أحوال الناس علي الواقع‏.‏

 
ثالثا‏:‏ من حق حكومة الحزب الوطني أن تهتم برجاء الأعمال وأن تكون لهم الصدارة في كل مؤسسات الحزب ولكن يجب أن تفرق بين مؤسسات الدولة ومؤسسات الحزب الوطني‏..‏ أن مؤسسات الدولة من البنوك والشركات والهيئات الحكومية ملك لكل المصريين وليست ملكا للمسئولين في الحزب الوطني‏..‏ ومن هنا يصبح من الخطأ أن تعطي البنوك المصرية كلها الجانب الأكبر من اهتمامها لرجال الأعمال سواء كانوا متعثرين أو جادين وتنسي أن هناك مئات الآلاف من رجال الأعمال الصغار من حقهم أن يمارسوا نشاطهم‏..‏ لقد كان الخطأ الأكبر في الحكومات السابقة أنها وضعت البيض كله في سلة مجموعة من رجال الأعمال لا يزيد عددهم عن مائة شخص ولو أن هذا الجهد وهذه البلايين تم توزيعها علي عشرات الالاف من رجال الأعمال لكانت النتائج أفضل بكثير مما حدث‏..‏ مطلوب توسيع دائرة رجال الأعمال والخروج بها من حصار الحزب الوطني الذي احتكرته مجموعة قليلة منهم وكانت أخطاؤها أكبر بكثير من كل ما قدموه‏.‏ أن البنوك المصرية بل والدولة المصرية تركز جهدها عامين متتاليين من أجل إيجاد حل لمشاكل المتعثرين والهاربين وهناك الاف من رجال الأعمال الجادين لا يشجعهم أحد‏.‏

رابعا‏:‏ سوف تبقي مأساة البطالة في الشارع المصري واحدة من أخطر مشاكلنا بكل المقاييس الاقتصادية والحضارية والإنسانية أنها أزمة في كل بيت‏..‏ ومأساة في كل أسرة ولا ينبغي أبدا أن تتصور الحكومة في يوم من الأيام أن القطاع الخاص المصري يستطيع وحده أن يواجه هذه الأزمة لابد من تعاون حقيقي بين مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص فكرا وتخطيطا وعملا أما أن يلقي كل طرف منها مسئولية الحل علي الأخر فهذه مأساة أخري‏.‏

أن أزمة البطالة تقف الآن وراء مجموعة كبيرة من المشاكل ابتداء بمشاكل أخلاقية كثيرة وانتهاء بالجريمة وما يواجهة الشارع المصري من وجود ملايين الشباب بلا عمل‏..‏ أن المطلوب الآن مشروع قومي لتشغيل الشباب من أين يبدأ وما هي مقوماته وهذه هي أولي مسئوليات الحكومة الجديدة لأن برنامج الرئيس مبارك وضع خطة لهذه القضية ينبغي أن تلتزم الحكومة بتنفيذها خاصة أنه لا يمكن أبدا الفصل بين قضية البطالة ومشاكل التعليم في مصر لأن كلاهما وجه لعمله واحدة ولهذا فإن أزمة البطالة تحتاج إلي مواجهة جادة لمشاكل التعليم من حيث التدريب والتخصصات ومستقبل العمالة المطلوبة‏.‏

خامسا‏:‏ أن مشكلة انفلات الأسعار في الشارع المصري أصبحت من المشاكل المزمنة‏..‏ لا تستطيع أن تجد سعرا ثابتا لسلعة واحدة‏..‏ والغريب أن هناك منافسة محمومة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لابتزاز المواطن المصري ابتداء بالاسعار في المحلات التجارية وانتهاء بأسعار الخدمات‏..‏ من السهل جدا أن يرتفع سعر الألبان مثل ارتفاع تذاكر القطار أو الكهرباء أو فاتورة المياه يضاف إليها رسوم النظافة‏..‏ يحدث هذا كله بلا ضوابط أو قوانين‏..‏ والغريب أن مؤسسات الدولة لم تعد تمثل حماية حقيقية للمواطن أمام غول الأسعار بل إنها في كثير من الأحيان تمارس الدور نفسه وهنا ينبغي أن تكون هناك قواعد ملزمة لتسعير السلع بجانب وجود رقابة صارمة لمراقبة حركة الأسعار في الأسواق سواء في السلع أو الخدمات‏.‏

سادسا‏:‏ في مصر طبقات كثيرة نسيتها الدولة‏..‏ لقد نسبت أعرق طبقات هذا المجتمع وهي الطبقة المتوسطة التي تأكلت بفعل الاهمال والنسيان والتهميش وقد كانت تمثل العمود الفقري للمجتمع المصري‏..‏ وهذه الطبقة تعاني الآن ظروفا صعبة علي المستوي الاقتصادي وتعاني ظروفا أصعب علي المستوي الانساني‏..‏ لقد تراجع مستواها‏..‏ وغاب دورها‏..‏ وبعد أن كانت تمثل النخب الممتازة في هذا المجتمع وجدت نفسها في أخر القائمة‏..‏ هناك أيضا المثقفون الغلابة وهم فئة جنت عليها الأيام والأحوال والظروف ونسيتها السلطة فلم يعد لها مكان فيها‏..‏ ونسيها المجتمع في زحمة أولوياته فخبا بريقها وتراجع دورها والغريب أنها أيضا نسيت نفسها فأصبحت نسيا منسيا‏..‏

هناك أيضا المرأة المصرية بعيدا عن الأضواء هي الأم المكافحة والزوجة الصبورة والابنة التي تبحث عن زوج أو عمل أو مأوي‏..‏ وهناك الطفولة المصرية المعذبة في الورش والمستشفيات والشوارع ودور الأيتام‏.‏

هذه الفئات الاجتماعية تحتاج إلي حكومة تنزل إليها وتسمعها وتشاركها الالم والمشاكل‏.‏

 
سادسا‏:‏ لابديل أمام الحكومة إلا لغة الحوار فلن يعود الزمن للوراء مرة أخري أن واجب الحكومة ومسئوليتها إن تسمع للشارع المصري ولا تغلق الأبواب والشبابيك والأذان أو تحتمي بأجهزة الأمن‏..‏ أن غياب الحكومة عن الشارع كانت له آثاره السيئة في الانتخابات البرلمانية وقد شعر الحزب الوطني بهذه الأزمة عندها وجد المسئولون فيه أنفسهم غرباء بين الناس‏..‏ وقد يكون الحوار هو الطريق الوحيد من أجل غد أكثر تواصلا بين الحكومة والشارع‏..‏ لقد ارتفع صوت الشارع وينبغي أن يصل إلي الحكومة وأن تسمعه لأن التجاهل والإصرار علي سياسة اللامبالاة يمكن أن تترتب عليه نتائج أسوأ مما يتصور البعض‏..‏ وهنا يجب أن يرد السادة الوزراء علي ما يكتب في الصحف أو تناقشه وسائل الإعلام وأن يتسم الحوار بالصراحة والشفافية وأن يشعر المسئولون أن هذا جزء من مسئوليتهم‏..‏

 
سابعا‏:‏ بقي من دفاتر الحكومات السابقة مجموعات مؤجلة من الأزمات والمشاكل تأتي في مقدمتها ضحايا شركات توظيف الأموال فالواجب يحتم أن تغلق الدولة هذا الملف السخيف‏..‏ تأتي أيضا قضايا الفساد التي يجري التحقيق فيها أمام القضاء فهي تحتاج إلي حسم يشمل المخطئون‏..‏ والأبرياء فليس من العدل أن يقضي إنسان مظلوم يوما واحدا وراء القضبان وليس من العدل أيضا أن يرتع المفسدون والسارقون واللصوص بعيدا عن أيدي العدالة‏..‏ وبجانب هذا يجب أن تؤكد الدولة التزامها بتنفيذ الأحكام القضائية لأن رفض تنفيذ هذه الأحكام يفقد المواطن ثقتة في عدالة مؤسساته ويفقد الدولة هيبتها أمام المواطنين‏.‏



وكل حكومة وأنتم طيبون





ويبقي الشعر

وطني الذي يوما جننت بحبه



مازال حلمي‏..‏ قصتي‏..‏ مأساتي



قد عشت أحلم أن أموت بأرضه



ويكون آخر ما طوت صفحاتي



فإذا تواري الوجه عودوا واسمعوا



فـي كـل فاجعـة صـدي كلمـاتـي



ولتذكروني كلما لاحت لكم



في ظلمة الوطن الحزين حيـاتي



سيطل طفل من رماد بيوتنا



ويطـوف فـوق القدس بالرايـات



يارب فلتقبل شهيدا يرتجي



منك الشـهـادة عـنـد كل صــلاة


إرسال تعليق

أحدث أقدم