هوامش حرة : مطلوب فض هذا الاشتباك

هوامش حرة



مطلوب فض هذا الاشتباك



يكتبها‏:‏ فاروق جـــويـدة ‏‏





لا أدري لماذا أصبحت الأرض والأرض وحدها قاسما مشتركـا بين جميع القضايا المطروحة علي الساحة‏..‏ لا توجد الآن أزمة أو مشكلة أو قضية إلا وظهرت خلفها قطعة أرض هنا أو هناك‏..‏ ولا أدري ما هو السر وراء ذلك برغم أن لدينا مساحات شاسعة من الأراضي‏,‏ ولكن الصراع يدور فقط في مناطق محدودة داخل القاهرة أو ضواحيها‏..‏ إن معظم الأنشطة الاقتصادية في مصر الآن يدور حول الأرض تجارة أو استثمارا‏,‏ وربما كان السبب في ذلك أن معظم المكاسب والأرباح في السوق المصرية في السنوات الأخيرة كانت تتركز في تجارة الأراضي أو تسقيعها أو تحويلها إلي مشروعات عقارية‏..‏ مازال النشاط العقاري في مصر الأكثر ربحا من هنا تأتي أهمية الأرض كعنصر رئيسي من عناصر هذا الاستثمار‏..‏



في الأسابيع الأخيرة ثار جدل واسع حول جامعة وليدة تأخذ مكانها الآن في منظومة التعليم الحديث في مصر‏,‏ وهي جامعة النيل التي تقام علي مساحة‏127‏ فدانـا في محافظة‏6‏ أكتوبر‏,‏ وبالتحديد في مدينة الشيخ زايد‏..‏ وربما كان السبب في كل هذه الضجة مجموعة أسباب أري أنها جديرة بالمناقشة‏,‏ ولكن أسوأ ما في القضية هذا الغموض الشديد الذي حول الجامعة إلي لغز من الألغاز وفتح أبوابا كثيرة للشك والتساؤل والجدل برغم أن القضية كلها كان من الممكن أن تحسم في لحظات بكشف أبعاد المشروع دون لف أو دوران‏..‏ ولكن أي شيء في مصر الآن يمكن أن يتم بوضوح وصراحة‏..‏



هذه الجامعة أنشئت من خلال جمعية أهلية تضم‏55‏ عضوا من رجال الأعمال والشخصيات العامة تسمي المؤسسة المصرية لتطوير التعليم التكنولوجي‏,‏ وهذه الجمعية مسجلة في وزارة الشئون الاجتماعية وصدر قرار إنشاء الجامعة في يوليو‏2006‏ والجامعة الجديدة تضم تخصصات مختلفة في مجالات التكنولوجيا الحديثة في الاتصالات وقد بدأت برامجها الدراسية في الدراسات العليا فقط في الماجستير والدكتوراه منذ عام‏2007..‏ ومن أهداف الجامعة الأساسية أنها لا تهدف إلي الربح ومنذ البداية تكفلت وزارة الاتصالات بهذا المشروع الضخم وأنفقت مئات الملايين من ميزانية الدولة علي هذه الجامعة التي لم يتجاوز عدد الدارسين فيها‏300‏ باحثـا منذ بداية نشاطها حتي هنا والفكرة والمشروع والهدف لا غبار عليها من قريب أو بعيد‏..‏ ولكن من أين جاءت التساؤلات‏:‏



أول هذه التساؤلات أن د‏.‏ أحمد نظيف رئيس الوزراء كان وراء هذا المشروع قبل أن يتولي رئاسة الحكومة فهو الذي أنشأ الجمعية الأهلية وهو الذي بدأ فكرة إنشاء الجامعة وهو وزير للاتصالات‏..‏ وفي تقديري أن هذا الشق من القضية لا يسيء لرئيس الحكومة‏..‏ بل إنه في الحقيقة ينبغي أن يحسب له بأنه وقف وراء مشروع تعليمي بهذه الضخامة وهذه الحداثة ولا يمكن أن نلوم مسئولا أيا كان موقعه لأنه فكر في إقامة صرح تعليمي وعلمي بهذا المستوي‏..‏ ولكن هنا ينبغي أن نتوقف عند بعض الجوانب التي يمكن الخلاف حولها‏..‏


*‏ إننا أمام جمعية أهلية تضم عددا من المسئولين ورجال الأعمال والشخصيات العامة وشركات الاتصالات وعلي رأس هؤلاء جميعـا وزارة حكومية مسئولة‏..‏ وهنا يكون السؤال كيف تولد جمعية أهلية من رحم وزارة‏..‏ ولماذا هذا التداخل بين النشاط الأهلي والنشاط الحكومي برغم جوانب التعارض بينهما‏..‏ وهل يمكن أن تجد كل جمعية أهلية وزارة تساندها وتدعمها وتقدم لها أموال الشعب‏..‏


*‏ إن الجامعة الوليدة غاية في التخصص الدقيق‏..‏ وغاية في الدقة في اختيار دارسيها وطلابها‏,‏وهم فقط لدرجة الدكتوراة والماجستير‏..‏ وبرغم أهمية هذا التخصص شديد الدقة إلا أنه يتعامل مع فئة محدودة جدا من أبناء الشعب المميزين في تخصصات نادرة‏..‏ وهنا يتطلب الأمر تفسيرا لأن تنفق وزارة من الوزارات ملايين الجنيهات علي مشروع يخص فئة محدودة من الناس‏..‏ نحن بالفعل في حاجة إلي هذا التميز‏,‏ وهذه التخصصات التي نحرص عليها جميعا‏,‏ ولكن هل من مسئولية الحكومة أن تنفق ملايين الجنيهات علي عدد محدود من الدارسين‏,‏ ولدينا عشرات الجامعات التي لا توجد بها معامل‏..‏


*‏ ان الفيصل في هذه القضية هو موضوع الأرض‏..‏ أن الجامعة الوليدة التي تتبع جمعية أهلية استطاعت الحصول علي‏127‏ فدانـا في قلب مدينة الشيخ زايد‏..‏ لا توجد جامعة خاصة في مصر حصلت علي متر واحد من الأراضي دون أن تدفع ثمنه‏..‏ وأمامنا نموذج جامعتنا العريقة جامعة القاهرة التي شهدت معركة دامية لتحصل علي‏30‏ ألف متر تضاف إلي حرمها التاريخي‏..‏ نحن هنا أمام مساحة تزيد علي‏533‏ ألف متر مربع من الأراضي تبلغ قيمتها في أقل التقديرات‏1.5‏ مليار جنيه‏..‏ أي جامعة خاصة تستطيع الحصول علي هذه المساحة من الأراضي وفي هذا الموقع‏,‏ وأي سلطة تستطيع تخصيص هذه المساحة بحق الانتفاع الذي لا يزيد علي بضع جنيهات في السنة‏..‏ أن قواعد حق الانتفاع في عمليات التخصيص تخضع لضوابط كثيرة أهمها أنها تخدم قطاعات واسعة من الشعب ولا تخدم أهداف جمعية أو مجموعة من الباحثين أو الدارسين للدراسات العليا‏..‏


*‏ الأخطر من ذلك أن الجمعية الأهلية التي حصلت علي هذه المساحة لم تدفع مليما واحدا في كل هذه المساحة من الأرض‏..‏ وقد استغلت الجامعة‏60‏ ألف متر مربع فقط من كل هذه المساحة التي حصلت عليها‏..‏ فما هو مصير المساحة الباقية؟‏..‏



طبقـا للقواعد الهندسية والعلمية كما يؤكد خبراء التعليم فإن المساحة المطلوبة لإنشاء كلية من الكليات الحديثة ثلاثة أفدنة فقط‏..‏ ولو أن في كل جامعة‏10‏ كليات فنحن في حاجة إلي‏30‏ فدانـا لإنشاء الجامعة‏..‏ وهذا يعني أن مساحة‏127‏ فدانـا التي حصلت عليها جامعة النيل بحق الانتفاع‏,‏ كان ينبغي أن تخصص لإنشاء‏4‏ جامعات وليس جامعة واحدة‏..‏


*‏ لا أحد يعلم شيئـا عن الدعم الخارجي الذي وصل إلي جامعة النيل وما هي حدود هذا الدعم وهل جاء في صورة دعم عيني في الأجهزة والمعدات‏,‏ أم أن هناك دعما نقديا وإذا كانت الحكومة تضع ضوابط كثيرة علي الجمعيات الأهلية في قضية المساعدات والمعونات الخارجية فهل ينطبق ذلك علي جامعة النيل‏..‏ لقد رفضت الحكومة تمامـا أن تخصص الإدارة الأمريكية جزءا ضئيلا من المساعدات الأمريكية لمصر للأنشطة المدنية والأهلية بعيدا عن رقابة الحكومة المصرية‏,‏وقد أذعنت الإدارة الأمريكية لطلب مصر‏..‏ فماذا عن المعونات التي تتلقاها هذه الجامعة ومنها شركات عالمية في الاتصالات‏,‏ ومنها أيضا الشركات المصرية التي تعمل في قطاعات الاتصالات سواء الخدمات أو الإنتاج‏..‏


*‏ هناك سؤال يجب أن تكون له إجابة‏..‏ من يملك الآن جامعة النيل‏,‏ هل هم مجموعة رجال الأعمال الذين تضمهم الجمعية الأهلية في عضويتها‏..‏ أم هي وزارة الاتصالات التي انفقت مئات الملايين من ميزانية الدولة التي هي أموال الشعب علي هذه الجامعة‏..‏ وهل من حق أعضاء هذه الجمعية بيع هذه الجامعة أو فتح أبواب الشراكة فيها في أي وقت من الأوقات‏,‏ أم أن هناك ضوابط تمنع ذلك وما هي هذه الضوابط وماذا عن مصير‏127‏ فدانـا قيمتها مليار ونصف المليار جنيه في هذه الحالة‏..‏


*‏ لماذا الإصرار علي هذا التداخل في الأنشطة بين مسئولية الحكومة ورجال الأعمال‏..‏ نحن أمام صيغة تحتاج إلي قدر من المصارحة والشفافية‏..‏ نحن أمام فريق من رجال الأعمال هذا الفريق قرر أن يقيم جمعية أهلية‏..‏ هذه الجمعية الأهلية قررت أن تقيم جامعة خاصة‏..‏ حتي هذه النقطة نحن أمام معادلة صحيحة‏,‏ ولكن حين دخلت وزارة الاتصالات‏..‏ وحين تسللت شركات المحمول‏..‏ وحين تسربت ملايين الجنيهات من ميزانية الدولة للمشروع وحين صدر قرار بتخصيص مساحة من الأراضي للجامعة قيمتها مليار ونصف مليار جنيه أصبحنا أمام معادلة خاطئة تماما‏..‏ وهذا الموقف هو الذي ينبغي أن نتحدث فيه‏..‏ بعيدا عن الاتهامات والتشكيك‏..‏ نحن أمام سياسات متداخلة‏,‏ وأدوار متشابكة‏,‏ ويجب فض هذا الاشتباك ليس في جامعة النيل فقط ولكن في مجالات كثيرة أخري تشهد هذه الظاهرة‏..‏



أعود من حيث بدأت وأقدم ثلاثة اقتراحات‏:‏



أولا‏:‏ من الظلم الشديد تخصيص كل هذه المساحة من الأراضي‏'127‏ فدانـا‏'‏ لجامعة واحدة لم تستغل منها سوي عشرة أفدنة وهنا أقترح تخصيص‏30‏ فدانـا فقط لجامعة النيل والإبقاء علي بقية المساحة وهي تقترب من‏100‏ فدانا ربما وجدنا جمعيات أهلية أخري تفكر في إنشاء مشروعات مشابهة أو ربما عاد أحمد زويل بمشروعه القديم ليري حلمه حقيقة لأن هذه الأرض كانت مخصصة لمشروع جامعة أحمد زويل‏..‏



ثانيا‏:‏ أن تقدم الجامعة للجهاز المركزي للمحاسبات كل ميزانيتها بوضوح كامل‏,‏بما في ذلك ما أنفقته وزارة الاتصالات وما قدمه رجال الأعمال‏,‏ وما تلقته من معونات خارجية منعا للقيل والقال‏..‏



ثالثـا‏:‏ تعيين جهاز مسئول عن إدارة الجامعة طبقـا لقانون الجامعات الخاصة بما في ذلك منصب رئيس الجامعة حتي لا يقال إن المنصب ينتظر مسئولا رفيعا في أي وقت من الأوقات‏..‏



الصراحة مطلوبة‏..‏ والوضوح أفضل طريق للوصول إلي الحقيقة‏..‏




..‏ ويبقي الشعر



جربت بعد وداعنـا

كأسا ثقيلا اسمه االنـسيان

ومضيت أسأل عن طبيب



يرحم القلـب الـعليل يلملم الأحزان

وسألـت في ألـم لديك تميمة

تـعويذة تـشفي الجـراح‏..‏ وتنـقذ الأبدان ؟



فأجابني‏..‏ عنـدي دواء إن أردت

قصائد فيها شفاء الروح والوجدان

ونظرت للأوراق‏..‏ أبيات تـنـاثـر عطـرها



كـجداول فاضت بلا شطآن

كانـت تـحدق في عيوني لحظـة

وتـعود حائرة بلا عنـوان



مرت علي وجهـي أضاءت وانـزوت

وتناثـرت صورا بـكـل مكـان

كانـت قـصائدنـا تـطل بـلهفـة



كالحزن دامية علي الجدران

لاحت عيونـك في دموع قـصائدي

قـلـبان ينـشطران



نـجمان يحتـرقـان

جسدان يرتـعشان

داويت آلاف القـلوب ولـم أجـد

شيئـا يداوينـا‏..‏ سوي النـسيان


'‏قصيدة نسيان سنة‏2003'‏


إرسال تعليق

أحدث أقدم